بات المنتخب الفرنسي قاب قوسين أو أدنى من التتويج بلقب يورو 16 وهذا بعدما أقصى المرشح الأول لحصد اللقب المنتخب الألماني عقب التفوق عليه بهدفين دون رد في نصف نهائي البطولة.
والآن مع تحليل شامل لإيجابيات وسلبيات كل فريق:

فرنسا | هل تدارك ديشان الأخطاء؟! أم كان محظوظًا؟!:

"من أجل أن تكون الأفضل عليك هزم الأفضل" .. هذا ما تمكنت منه فرنسا الليلة بالتفوق على أبطال العالم في مباراة ربحها الفرنسيون بذكاء كبير وبأسلوب ربما ذكرنا بأسلوب ألمانيا عبر التاريخ حينما كانت تربح اللقاءات حتى لو لم تكن الطرف الأفضل، نعم المنتخب الألماني هو من كان الأفضل من حيث الاستحواذ والهيمنة على اللقاء، ولكن دون خطورة أو تهديد مباشر للمرمى الفرنسي، ويمكننا القول أن "ديديه ديشان" منح ألمانيا الكرة ولكن من أجل المرح بها فقط، هو من وضع قواعد اللعبة.

ربما دون أن يقصد تمكن ديشان من أن يثبت أخيرًا شجاعته وجرئته، فقرارات مثل اللعب دون بوجبا وجريزمان لن تجعلك شجاعًا بل ستبدو مغفلاً، أما قرار مثل الحفاظ على كلمتك أمام لاعبيك واللعب بنفس التشكيلة التي هزمت أيسلندا حتى لو لم تكن المثالية لمواجهة ألمانيا لمجرد مكافأة من تألق في تلك المباراة فتلك قمة الشجاعة، ديشان كان يعلم جيدًا أن حجم الاستفادة من الدفعة التي سيحصل عليها لاعبين كسيسوكو أومتيتي أو حتى جيرو أكبر بكثير من الدفع بالتشكيلة المثالية ويكون بها بعض الثغرات، وتبقى المقولة الأشهر خالدة "لاعب متوسط الإمكانيات يلعب بنسبة 100% أفضل من موهوب كسول".

الأداء الفرنسي لم يكن مرضيًا طوال الشوط الأول، وفرنسا كانت محظوظة أنها لم تخرج بدون أهدافًا في شباكها، وكانت أكثر حظًا بالهدف الذي سجله جريزمان في الدقيقة الأخيرة من الشوط الأول، وسط الميدان الفرنسي كان سيئاً بشكل ملحوظ لم يستحوذ على الكرة ولم يضغط بالشكل المطلوب، وترك لاعبي ألمانيا يتحركون بأريحية كبيرة حتى الوصول إلى منطقة التحضير النهائية التي كانت تبدأ بها المواجهة التي كانت نتيجتها في الأغلب لصالح اللاعبين الفرنسيين.

الالتزام التام في التمركز كان سر الصمود الدفاعي لمنتخب فرنسا بالامس.
البداية كانت من جانب المهاجمين "جريزمان وجيرو" اللذان تراجعا لوسط ميدانهما من أجل بداية الجدار الدفاعي لفرنسا فقط كان يعيبهما قلة الضغط على قلبي الدفاع ومحور الارتكاز "باستيان شفاينشتيجر".

ثم يأتي وسط الميدان الذي امتاز فيه الجناحين "سيسوكو وباييت" بالعمل المستمر والتحرك بشكل طولي يحسب لهما، وأبرز دليل على هذا المجهود في خلق التوازن عدم قدرة باييت على الصمود بدنيًا أكثر من ساعة واحدة.

من العيوب التي تحدث عنها الجميع كذلك في خطة 4-3-3 هي عدم الاستفادة القصوى من "أنطوان جريزمان" فعندما ترك مركز الجناح وانضم لعمق الملعب ليلعب خلف جيرو تألق بشكل مبهر واستطاع تسجيل 5 أهداف في ثلاث مباريات، جريزمان يلعب في هذا المركز مع الأتليتي ولا يعلم أحد لماذا تفلسف ديشان وأشركه خارج مركزه فقط من أجل الحفاظ على الخطة المفضلة لديه؟! ها هي 4-4-2 تثبت أنها خطة اللعب الأمثل لفرنسا، وها هو جريزمان يصنع التاريخ
للديوك.

أكثر السلبيات التي ظهرت على فريق ديشان بالامس كان التراجع الدفاعي المبالغ به دون ضغط يدعم ويعزز هذا التراجع، فمع أول لقطة ضغطت فيها فرنسا بخمسة لاعبين على الدفاع الألماني تمكن بوجبا بمساعدة ماتويدي على قطع كرة تحولت بعد ذلك لهدف قتل المباراة على ألمانيا، لقطة ظهرت في مناسبة واحدة رغم الاهتزاز الواضح الذي كان عليه كيميتش وشفاينشتيجر في المباراة.

أحبط مدافع نادي برشلونة الجديد "صامويل أومتيتي" كل المحللين الذين انتقدوا تواجده منذ البداية الليلة ولعب واحدة من مباريات العمر التي ربما أدخلت البهجة في قلب جماهير البلوجرانا التي استبشرت خيرًا بمدافع شاب قادم بقوة مع برشلونة، أومتيتي تألق وأبعد أغلب الكرات العرضية ببسالة كبيرة وكان يقظًا أمام الهجمات الألمانية وتحركات مولر وتمريرات أوزيل أغلب دقائق اللعب.

كذلك لن يفوتنا الإشادة بواحد من أفضل مدافعي العالم في الوقت الحالي "لوران كوسيلني" الذي تخلى عن هفواته المعروفة عنه والتي كانت نقطة ضعفه، وبالتخلي عنها بات مدافع من الطراز الرفيع سواء على صعيد التدخلات أو الرقابة الفردية، فمن سوء حظ أي مهاجم أن يواجه مدافع بسرعة وصلابة مدافع آرسنال.

أبرز دليل على أن ديشان تفطن أن خطة 4-3-3 نكسة على فرنسا، هو تدخله الفني عندما أخرج باييت ودفع بكانتي، الأغلبية توقعت أنه سيلعب ببوجبا كانتي ماتويدي في وسط الميدان، ولكنه أبقى على رسم 4-4-2 ووضع ماتويدي كجناح أيسر وترك كانتي بجوار بوجبا في منطقة الارتكاز.

ولكن هل كان الأفضل تحريك بوجبا أم ماتويدي كجناح؟ .. بوجبا سبق وقام بهذا الدور مع أليجري ويعرف جيدًا كيف يتحرك في الرواق ويضم لداخل الملعب، ولكن كذلك ثنائية ماتويدي وكانتي في وسط الميدان لم تثبت نجاحًا كبيرًا فهما لاعبان متشابهان في الأدوار غير قادرين على الاستحواذ على الكرة وتهدئة اللعب، لذلك تواجد بوجبا من أجل الحفاظ على الكرة كان الخيار الأفضل، شابو ديشان!

ألمانيا | الظروف والغيابات أقصت ألمانيا!




لا يمكن لوّم المدير الفني "يواخيم لوف" على الخسارة بالامس، فقد لعب بالأسلوب التيكتيكي الأمثل ولكن خذله بعض لاعبيه بجانب الظروف والغيابات المؤثرة في عماد التشكيلة، كل هذا لم يمنحه الفرصة لمقارعة قوة المنتخب الفرنسي.

أولاً مساعد كلينزمان السابق كان موفقاً في تغيير خطة اللعب من 4-3-2-1 إلى 4-3-3 لأن هذا التغيير تسبب في هيمنة ألمانيا على المباراة وغلق الملعب أمام فرنسا، لوف قرأ فرنسا جيدًا ووضع محور ارتكاز هو "باستيان شفاينشتيجر" لتكون كل مهمته اللعب في المساحة بين وسط الملعب وخط الدفاع من أجل مواجهة "أنطوان جريزمان" الذي يتحرك بين الخطين دون رقابة، ولكن لوف لم يكن ضمن حساباته أن يقدم النمر مباراة محبطة بهذا الشكل!

ثانيًا الضغط في المساحة بين الظهير وقلب الدفاع بلاعبي وسط ككروس وتشان يؤكد أن لوف تابع فرنسا بشكل جيد وتفطن أن هناك مشكلة لدى المنتخب الفرنسي في تلك المساحة، ولكنه لم يكن على علم بأن خط دفاع المنتخب الفرنسي سيقدم مباراة بلا هفوة واحدة!

أهم مشكلة واجهت ألمانيا في المباراة وربما هي التي تسببت في كل هذا العقم كانت غياب رأس الحربة الوحيد في قائمة ألمانيا -وهو ما يعتبر عار لكل مهاجم يلعب في البوندسليجا- "ماريو جوميز"، المنتخب الألماني كان بحاجة لرأس حربة يستند عليه باقي اللاعبين تمامًا كما يفعل جيرو مع فرنسا، لم تتواجد المحطة الهجومية التي تلعب لها الكرة ويتحرك من حولها باقي اللاعبين، مع كامل الاحترام لـ "توماس مولر" ولكنه ليس برأس حربة صريح، من العار بالفعل عدم امتلاك ألمانيا لمهاجمين للحد الذي يجعل الخيار الوحيد الذي يمكن التفكير به هو "لوكاس بودولسكي"!

لا يمكن لوّم لوف أيضًا على الدفع بمولر في مركز رأس الحربة، فهو الخيار الذي يبدو أكثر واقعية، بالتأكيد هو يعي جيدًا أن مولر لا يظهر بمستواه المعهود عندما يلعب في قلب منطقة الجزاء تحت رقابة صارمة من المدافعين، فالتحرك بدون كرة هو أهم مميزاته، لذلك من الحتمي إشراكه في مركز اللاعب الحر الذي يلعب أمامه رأس حربة، قد يقول البعض أن لوف لا يمتلك الخيارات من أجل القيام بذلك، ولكن في رأيي الدفع بجويتسه كرأس حربة والحفاظ على ورقة مولر كمهاجم 9.5 أفضل بكثير من اللعب بمولر كرأس حربة، وما يمكن لوّم لوف عليه كذلك هو تأخره في الشوط الثاني في الدفع ببودلسكي أو جويسته كمهاجم وإخراج مولر من رقابة مدافعي فرنسا.

مغامرة لوف بورقة لاعب وسط ريال مدريد "توني كروس" والدفع به كلاعب وسط متقدم على حساب مركزه الذي يلعب به في آخر موسمين كلاعب ارتكاز لم تفلح وهذا لسببين، السبب الأول أن اللاعب الذي قام بهذه المغامرة من أجله -شفاينشتيجر- لعب مباراة متواضعة للغاية، والثاني هو أن كروس نفسه بدا تائهًا وفاقدًا لبريقه سواء على مستوى صناعة وتحضير اللعب أو الاختراق الذي كان معروفًا عنه أثناء تواجده رفقة بايرن ميونخ.

في النهاية يجب التماس العذر للمانشافت فبكل تأكيد أداء المنتخب الألماني في حالة وجود "خضيرة وجوميز" في الملعب كان سيكون مختلفًا كثيرًا عن الأداء الذي قدم الليلة، وجود جوميز كان سيمنع حالة العقم التي سيطرت على الهجوم الألماني رغم وجود الكثير من العرضيات سواء من كيميتش أو هيكتور، وكذلك افتقد أبطال العالم لنشاط وحيوية خضيرة في وسط الملعب رغم الأداء المرضي الذي قدمه بديله "إيمري تشان" خلال اللقاء.